المقدمة
تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز بيئة قانونية جاذبة للاستثمار ومواكبة لأفضل الممارسات العالمية في حل النزاعات، ولذلك أصدرت أنظمة متقدمة لتنظيم التحكيم والوساطة باعتبارهما بدائل فعّالة وسريعة للقضاء التقليدي.
ويُعد هذا التوجه جزءًا من التطوير الشامل للمنظومة العدلية، بما يضمن تحقيق العدالة بأقل وقت وتكلفة ممكنة، مع الحفاظ على سرية النزاعات وثقة الأطراف.
أولاً: ماهية التحكيم ودوره في النظام السعودي
التحكيم هو اتفاق بين الأطراف على إحالة نزاع قائم أو محتمل إلى هيئة تحكيم للفصل فيه بقرار نهائي ملزم.
ويخضع التحكيم في السعودية لـ نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/34 لعام 1433هـ، والذي يتوافق مع المبادئ الدولية الحديثة.
أهم مزايا التحكيم:
-
السرعة في البت في النزاعات مقارنة بالمحاكم.
-
الحفاظ على سرية المعلومات التجارية.
-
اختيار المحكمين المتخصصين في نوع النزاع.
-
الاعتراف بالأحكام التحكيمية وتنفيذها محلياً ودولياً.
ثانيًا: المركز السعودي للتحكيم التجاري (SCCA)
أنشئ المركز السعودي للتحكيم التجاري عام 2014 كجهة مستقلة تعمل تحت إشراف مجلس الغرف السعودية.
يقدّم المركز خدمات التحكيم والوساطة وفقاً لمعايير دولية معتمدة، باللغتين العربية والإنجليزية، ويُعتبر من أبرز المراكز الإقليمية التي عززت مكانة المملكة كمركز تحكيم إقليمي.
من خدمات المركز:
-
إدارة إجراءات التحكيم والوساطة.
-
اعتماد المحكمين والوسطاء المعتمدين.
-
تنظيم الدورات والبرامج التدريبية القانونية.
-
توفير مرافق وجلسات إلكترونية متكاملة عبر المنصة الرقمية.
ثالثًا: الوساطة كوسيلة ودّية لحل النزاعات
الوساطة هي عملية تفاوض غير ملزمة تتم بمساعدة طرف محايد (الوسيط) لتقريب وجهات النظر بين الأطراف.
تتميز الوساطة بالمرونة، وتتيح للأطراف الاحتفاظ بعلاقاتهم التجارية دون الدخول في مسارات قضائية معقدة.
من مزايا الوساطة:
-
الحفاظ على العلاقات التجارية بين الأطراف.
-
خفض تكاليف النزاع.
-
توفير حلول مبتكرة مرضية للطرفين.
-
تيسير الحلول بعيداً عن الصراعات القانونية المطوّلة.
رابعًا: الأساس النظامي للوساطة في السعودية
اعتمدت وزارة العدل لائحة الوساطة بالمنازعات المدنية والتجارية لعام 2023، والتي تهدف إلى تطوير بدائل تسوية النزاعات خارج نطاق المحاكم، وفق ضوابط مهنية محددة تضمن العدالة والحياد.
كما أطلقت منصة إلكترونية لطلب الوساطة وتعيين الوسطاء المعتمدين إلكترونيًا.
خامسًا: التحكيم والوساطة في بيئة الاستثمار
اعتماد التحكيم والوساطة يسهم في تعزيز ثقة المستثمرين، ويُعد مؤشراً على نضج البيئة القانونية السعودية.
فالمستثمر المحلي والأجنبي يحتاج إلى آليات سريعة وموثوقة لحماية حقوقه، وهذا ما تقدمه منظومة التحكيم الحديثة في المملكة.
الخاتمة
إن التحكيم والوساطة لم يعودا مجرد بدائل للقضاء، بل أصبحا أدوات رئيسية لترسيخ مفهوم العدالة السريعة والمستدامة.
وتؤكد المملكة من خلال أنظمتها ومؤسساتها القانونية التزامها بتوفير بيئة عدلية متكاملة تدعم الاقتصاد الوطني وتحقق العدالة الفاعلة.
